سورة المؤمنون - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


قد تقدم القول في صفة السفينة وقدرها في سورة هود، و{الفلك} هنا مفرد لا جمع، وقوله تعالى {بأعيننا} عبارة عن الإدراك، هذا مذهب الحذاق، ووقفت الشريعة على أعين وعين ولا يجوز أن يقال عينان من حيث لم توقف الشريعة على التثنية و{وحينا} معناه في كيفية العمل ووجه البيان، وذلك أن جبريل عليه السلام نزل إلى نوح فقال له اصنع كذا وكذا لجميع حكم السفينة وما تحتاج إليه واستجن الكفار نوحاً لادعائه النبوءة بزعمهم أنها دعوى وسخروا منه لعمله السفينة على غير مجرى، ولكونها أَول سفينة إن صح ذلك، وقوله {أمرنا}، يحتمل أن يكون مصدراً بمعنى أَن نأمر الماء بالفيض ويحتمل أن يريد واحد الأمور أي هلاكنا للكفرة، وقد تقدم القول في معنى قوله {وفار التنور} والصحيح من الأقوال فيه أنه تنور الخبز وأَنها أمارة كانت بين الله تعالى وبين نوح عليه السلام وقوله {فاسلك} معناه فادخل ومنه قول الشاعر: [البسيط]
حتى سلكن الشوى منهن في مسلك *** من نسل جوابة الآفاق مهداج
وقول الآخر: [الوافر]
وكنت لزاز خصمك لم أعرد *** وقد سلكوك في يوم عصيب
يقال سلك وأسلك بمعنى، وقرأ حفص {من كلٍّ} بتنوين {كلٍّ}، وقرأ الباقون وأَبو بكر عن عاصم بإضافة {كلِّ} دون تنوين و{الزوجان} كل ما شأنه الاصطحاب من كل شيء كالذكر والأنثى من الحيوان ونحو النعال وغيرها كل واحد زوج للآخر هذا موقع اللفظة في اللغة، والعدديون يوقعون الزوج على الاثنين وعلى هذا أمر استعمال العامة للزوج، وقوله {وأهلك} يريد قرابته ثم استثنى {من سبق عليه القول} بأنه كافر وهو ابنه وأمرأته، ثم أمر نوح عليه السلام أَن لا يراجع ربه ولا يخاطبه شافعاً في أَحد من الظالمين، والإشارة إلى من استثنى إذ العرف من البشر الحنو على الأهل، ثم أمره تعالى بأَن يحمد ربه على النجاة من الظلمة عن استوائه وتمكنه في الفلك، ثم أمر بالدعاء في بركة المنزل، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {مَنزِلاً} بفتح الميم وكسر الزاي وهو موضع النزول، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم {مُنزَلاً} وهو مصدر بمعنى الإنزال بضم الميم وفتح الزاي، ويجوز أَن يراد موضع النزول وقوله {إن في ذلك لآيات}، خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم أي أَن فيما جرى على هذه الأمم لعبراً ودلائل لمن له نظر وعقل، ثم أخبر أَنه تعالى يبتلي عباده الزمن بعد الزمن على جهة الوعيد لكفار قريش بهذا الإخبار، و{إن} عند سيبويه هي المخففة من الثقيلة واللام لام تأكيد، والفراء يقول {إن} نافية واللام بمعنى إلا و{لمبتلين} معناه لمصيبين ببلاء ومختبرين اختباراً يؤدي إلى ذلك.


قال الطبري رحمه الله: ان هذا القرن هم ثمود ورسولهم صالح.
قال القاضي أبو محمد: وفي جل الروايات ما يقتضي أن قوم عاد أقدم إلا أَنهم لم يهلكوا بصيحة، وفي هذا احتمالات كثيرة والله أعلم، {وأترفناهم} معناه نعمناهم وبسطنا لهم الآمال والأرزاق، ومقالة هؤلاء أيضاً تقتضي استبعاد بعثة البشر وهذه طائفة وقوم نوح لم يذكر في هذه الآيات أن المعجزة ظهرت لهم وأَنهم كذبوا بعد وضوحها ولكن مقدر معلوم وإن لم تعين لنا المعجزة والعقاب لا يتعلق بأحد إلا بعد تركه الواجب عليه، ووجوب الاتباع إنما هو بعد قيام الحجة على المرء أو على من هو المقصد، والجمهور كالعرب في معجزة القرآن والأطباء لعيسى، والسحرة لموسى، فبقيام الحجة على هؤلاء قامت على جميع من وراءهم.


قوله {أيعدكم} استفهام بمعنى التوقيف على جهة الاستبعاد وبمعنى الهزء بهذا الوعد.
و {أنكم} الثانية بدل من الأولى عند سيبويه وفيه معنى تأكيد الأولى وكررت لطول الكلام، وكأن المبرد أبى عبارة البدل لكونه من غير مستقل اذا لم يذكر خبر أن الأولى والخبر عن سيبويه محذوف تقديره أنكم تبعثون إذا متم، وهذا المقدر هو العامل في {إذا} وفي قراءة عبدالله بن مسعود {أيعدكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} بحذف {أنكم} الأولى، ويعنون بالإخراج النشور من القبور، وقوله {هيهات هيهات} استبعاد، وهذه كلمة لها معنى الفعل، التقدير بعد كذا، فطوراً تلي الفاعل دون لام تقول هيهات مجيء زيد أَي بعد ذلك، ومنه قول جرير: [الطويل]
فأيهات أيهات العقيق ومن به *** وأيهات خل بالعقيق نواصله
وأحياناً يكون الفاعل محذوفاً وذلك عند اللام كهذه الآية، التقدير بعد الوجود لما توعدون، ومن حيث كانت هذه اللفظة بمعنى الفعل أشبهت الحروف مثل صه وغيرها، فلذلك بنيت على الفتح، وهذه قراءة الجماعة بفتح التاء وهي مفرد سمي به الفعل في الخبر، أي بعد، كما أَن شتان اسم افترق وعرف تسمية الفعل أَن يكون في الأمر كصه وحسن، وقرأ أبو جعفرٍ {هيهاتِ هيهاتِ} بكسر التاء غير منونة، وقرأها عيسى بن عمر وأَبو حيوة بخلاف عنه {هيهاتٍ هيهاتٍ} بتاء مكسورة منونة وهي على هاتين القراءتين عند سيبويه جمع {هيهات} وكان حقها أَن تكون {هيهاتي} إلا أن ضعفها لم يقتض إظهار الياء فقال سيبويه رحمه الله هي مثل بيضات أَراد في أَنها جمع فظن بعض النحاة أَنه أَراد في اتفاق المفرد فقال واحد {هيهات} هيهة وليس كما قال، وتنوين عيسى على إرادة التنكير وترك التعريف، وقرأ عيسى الهمداني {هيهاتْ} بتاء ساكنة وهي على هذا الجماعة لا مفرد، وقرأها كذلك الأعرج، ورويت عن أَبي عمرو وقرأ أبو حيوة {هيهاتٌ} بتاء مرفوعة منونة وهذا على أَنه اسم معرب مستقل وخبره {توعدون} أي البعد لوعدكم، كما تقول النجح لسعيكم، وروي عن أَبي حيوة {هيهاتُ} بالرفع دون تنوين، وقرأ خالد بن إلياس {هيهاتاً هيهاتاً} بالنصب والتنوين والوقف على {هيهات} من حيث هي مبنية بالهاء، ومن قرأ بكسر التاء وقف بالتاء، وفي اللفظة لغات هيها وهيهات وهيهان وأيهات وهيهات وهيهاتاً وهيهاء قال رؤبة، هيهاه من منخرق هيهاوه، وقرأ ابن أَبي عبلة {هيهات هيهات ما توعدون} بغير لام، وقولهم {إن هي إلا حياتنا الدنيا} أرادوا أنه لا وجود لنا غير هذا الوجود، وإنما تموت منا طائفة فتذهب وتجيء طائفة جديدة، وهذا كفر الدهرية، و{بمؤمنين} معناه بمصدقين، ثم دعا عليهم نبيهم وطلب عقوبتهم على تكذيبهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8